معنى أن تكون ناضجًا

ما زالت الحياة تسير على نسقها المعتاد، كلّ شيءٍ آخذٌ في النمو شيئًا فشيئًا، بما في ذلك نحن، والنضج الذي وصلت أقصاه، غدًا تكسر سقفه الافتراضيّ لتصل إلى ما هو أعلى منه، وفي كلّ مرّة تنضج فيها، ستكون أكثر تطلّعًا إلى مزيدٍ من النضج الذي يجعلك تواجه العالم بقشرةٍ قويّة ولبٌّ حلوٍ طريّ.

   تعتبر مدركاتك وتجاربك بمثابةِ خلايا جديدة؛ يزداد بها نموّ نفسك وتلحظ بها نضجكَ الذي يعتمد في أساسه على كثافةِ حياتك لا حجمها، فبالإدراك والتروّي -لا مجرد الاجتيازِ العابر للأماكن والزمن- تضيفُ لك الأحداثُ والتجارب مَعَانٍ تضمن بها نضوجًا غير مشوّه ونماءً أكثر اتساقًا مع ما مررت به، والاستبصار والمعايشة -لا الإبصار والعيش- هو ما يكفل لنا نموًّا سليمًا يبلّغنا رشدنا.

   ولا يعني النضج تسيّير الأحداث والمواقف على وتيرةٍ واحدة، فكلُّ التغييرات والقرارات تكون مُستندةً على المعطيات. وكلّما دعت الحاجة، ستصهر معرفتك وخبراتك وما هو منك وفيك؛ لتكوّن خليةً مناسبةً بدلًا من سدّ ثغراتك بِحِكَمٍ جاهزة يتسرّبُ إليكَ باستخدامها مشاكلُ من ذات النوع.

   بالنضج تُوازِنُ بين الجوانبِ والجهات ولا تميل إلى إحداها على حساب الأخرى، وبهِ تكون زاويةُ رؤيتكِ للأمور أوسع، ونظرتك إليها أشمل؛ تتجاوزُ بهِ السطحيّةَ ناظرًا إلى الأشياء بمختلف أبعادها طولا وعرضا وعمقًا.   تنتقلُ بالنضج من دائرة رغباتٍ أضيق إلى دائرةٍ أوسعَ تتطلب منك الانطلاق إلى ما هو أجدر بالنيل والتملّي. وباتساع حيز رغباتك وتنوّعها؛ سيأخذ التشوّفُ لرغباتك البعيدة من تركيزك، وسيكون التفاتك إلى رغباتٍ صغيرة وقريبة أقل حدوثًا وتكرارًا. بالنضج تعيش الحياة بمعنىً أكثر رحابة، تستعذِب فيه طعم التجربة ومذاق المحاولة، وتستشعرُ فيه لذّةَ الأنفةِ عن صُغريات الرغبات من أجل الوصول إلى المُبتغيات.

أضف تعليق